الاردن | المرصد | متابعات
أكد مديرعام المؤسسة التعاونية الأردنية عبدالفتاح محمد الشلبي أن الاستراتيجية الوطنية للحركة التعاونية الأردنية للأعوام (2021- 2025) تُمثل انطلاقةً جديدةً للعمل التعاوني، وللحركة التعاونية نحو تحقيق الازدهار والتأثير بشكل أكثر فاعلية في المجتمع.
وقال الشلبي في مقابلة أجرتها معه «الدستور» إن أهمية التعاونيات في التعافي الاقتصادي من تداعيات جائحة كورونا العالمية تحتم على جميع شركاء التنمية ايلاء القطاع التعاوني المزيد من الرعاية والاهتمام، لما لها من دورٍ هامٍ وفاعلٍ في تحقيق التنمية المستدامة، لا سيما من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح أن الاستراتجية وفقاً للخطط التفيذية المقرة ضمنها ستواكب تحديث التشريعات الناظمة للعمل التعاوني، وإعادة النظر بالهيكل التنظيمي للمؤسسة التعاونية لغايات إنشاء صندوق التنمية التعاوني، وتأسيس معهد التنمية التعاوني، واستحداث مديرية مراقبة الحسابات التعاونية، وتالياً نص الحوار:
*لماذا تم إعداد استراتيجية للحركة التعاونية الأردنية؟
شرعت المؤسسة التعاونية الأردنية في دراسة واقع التعاون وتحدياته، وسارعت الخُطى نحو إعداد استراتيجية وطنية للحركة التعاونية مع جائحة كورونا العالمية التي أثرت تداعياتها على اقتصاديات الدول، إذ كان لا بدّ من التفكير جدياً بكل الوسائل والطرق الفاعلة للنهوض بالتعاونيات التي تسهم بشكل مباشرٍ في دورة الاقتصاد والتنمية المستدامة الشاملة.
وتمخضت ارهاصات إعداد الاستراتيجية من رحم تلك التطورات مجتمعةً، لا سيما مع بدء جائحة «كوفيد 19» التي طرقت أبواب دول العالم بلا استثناء ودون استئذانٍ، لتلحق الضرر بكافة القطاعات، الاقتصادية والاجتماعية، حتى أنها أبطأت من مسيرة التنمية وأعاقتها بشكلٍ لافتٍ.
وتنبهت المؤسسة التعاونية الأردنية لأهمية وجود استراتيجية برؤية شمولية لمفاصل الحركة التعاونية، تشخص واقع القطاع التعاوني وتقف أمام التحديات ملياً، وتضع نصب عينيها عوامل الازدهار والنجاح لهذا القطاع الهام من أجل تحقيق الأهداف التنموية المنشودة.
لذلك، بدأتالمؤسسة بعد الحصول على موافقة الحكومة بإعداد هذه الاسترتيجية الذي يمتد تنفيذها وفق خطط وبرامج على مدى خمس سنواتٍ (2021- 2025)، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، وبتمويلٍ من الحكومة الهولندية، ومشاركة وصياغة منخبير دولي وخبراء محليين.
*ما هي الأهداف المرجوة من هذه الاستراتيجية؟
جاء إعداد هذه الاستراتيجية بهدف تنظيم القطاع التعاوني، وصياغة وثيقة تنفيذية متوسطة المدى للحركة التعاونية، إضافةً إلى صياغة وثيقة إرشادية للمؤسسة التعاونية، وبناء خطة عملً تشغيليةٍ لأول سنتين من الاسترتاتيجية، وإعداد برنامج عملٍ مؤسسي للمؤسسة التعاونية.
كما يأتي ذلك في ظل التماس الحكومة لخطة التعافي الاقتصادي من تداعيات جائحة كورونا التي أثرت مباشرةً، وبصورة سلبيةٍ في الاقتصاد الوطني، فيما يُنظر لقطاع التعاون دوره الهام والحيوي في معالجة الأزمات والتحديات واسهاماته فيالنمو الاقتصادي، والاهتمام بحيثياته المختلفة ليسهم أكثر مما هو عليه في التنمية المستدامة ودورة العملية الاقتصادية.
ويمكن القول على ما سبق، إن موافقة مجلس الوزراء مؤخراً على إقرار الاستراتيجية الوطنية للحركة التعاونية يشكل انطباعاً عاماً لمدى جدية الحكومة بالاهتمام بالقطاع التعاوني، وتأكيداً منها على مواصلة دعم هذا القطاع الحيوي في التنمية المستدامة.
*حدثنا عن أبرز التحديات التي شخصتها الاستراتيجية للقطاع التعاوني؟
تؤكد الاستراتيجية على أهم التحديات التي تواجه الحركة التعاونية الأردنية، وهي البيئة المؤسسية والقانونية والإدارية غير المواتية لعمل التعاونيات، إضافةً إلى عدم قدرتها في الحصول على خدمات الدعم المناسبة، وافتقارها إلى التكامل الأفقي والعمودي، وعدم وضوح الغرض الأساسي من نشأة العديد من التعاونيات، وانعدام القدرات الإدارية للعديد من أعضاء مجلس إدارة الجمعية التعاونية، فيما العديد من التعاونيات يتم تشغيلها بصورة «منفردة»، كما أن بعضها أنشئت فقط للحصول على المنح الحكومية.
وفوق ذلك، يعتبر ضعف الوعي التعاوني لدى أعضاء التعاونيات والمجتمعات المحلي، وعدم كفاية وصول التعاونيات إلى التمويل، ونقص بناء القدرات داخل الحركة التعاونية، وارتفاع معدل ضرائب الدخل والمبيعات، والطلب لمراجعة الرسوم التي تتقاضاها المؤسسة لبدل الخدمات، وعدم وجود اتحادات تعاونية إقليمية وقطاعية مبنية على أسس تعاونية، ناهيك عن عدم القدرة على تشكيل الاتحاد العام، وغياب التنسيق بين التعاونيات، وضعف الدور الذي تقوم به المؤسسة التعاونية لعدم امتلاكها الأدوات المناسبة من التمويل والتمكين،إضافةً إلى وجود تعاونيات غير قائمة على مبادئ التعاون، وعدم قدرة التعاونيات بالوصول إلى الأسواق، ومحاولة إنهاء دور المؤسسة في تدقيق البيانات المالية للتعاونيات من جملة التحديات التي شخصتها الاستراتيجية.
وحسب الاستراتيجية، تمثل هذه التحديات التي تفاقمت بسبب الافتقار إلى الوعي بطبيعة التعاونيات ومبادئها الحقيقية، والخلط بين الجمعيات التعاونية والجمعيات الأخرى مثل الخدمة والنشأة، مشكلة أساسية تسعى المؤسسة التعاونية ومن خلال الاستراتيجيةإلى معالجتها.
*كيف تعالج الاستراتيجية تلك التحديات الماثلة أمام العمل التعاوني؟
تأتى المعالجة لتلك المشكلات والتحديات التي شخصتها الاستراتيجية من خلال رؤيتها التي تتبناهما بحتمية بناء حركة تعاونية مزدهرة ومستقلة وشاملة ومعتمدة على الذات تلعب دوراً قيمياً في التنمية من خلال المساهمة في أهداف أعلى مستوى كإيجاد فرص العمل والمساواة بين الجنسين والضمان الاجتماعي، وحماية البيئة، والنمو الاقتصادي، وتحسين الظروف المعيشية وظروف العمل، وتوسيع نطاق الحوار الاجتماعي ليشمل الفئات السكانية المستثناة، وإنفاذ حقوق العمل وحقوق الإنسان، وإضفاء الطابع الرسمي على الاقتصاد غير الرسمي.
وتخلص الاستراتيجية في هذا المجال إلى أنه لا يعتبر تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في بناء حركة تعاونية مزدهرة ومستقلة وشاملة ومعتمدة على الذات غايةً في حد ذاته، لكنه يمثل خطوةً نحو تحقيق رؤية الأردن 2025، وذلك من خلال الآتي:
أولاً- ايجاد بيئة مواتية وهو ما يتطلب تعديل التشريعات الناظمة للعمل التعاوني، وإعادة النظر في الهيكل التنظيمي للمؤسسة التعاونية،وكذلك تعديل قوانين الضرائب، واصدار نظام صندوق التنمية التعاوني، ونظام معهد التنمية التعاوني، وإصدار اللوائح والتعليمات للتدقيق وفق معايير التدقيق الدولية، وتصفية جميع التعاونيات غير الفاعلة، وإنشاء قاعدة بيانات إحصائية شاملة داخل المؤسسة، وتدريب طاقم عمل المؤسسة ورفدها بالكوادر المؤهلة، إضافةً إلى إنشاء اتحادات تعاونية إقليمية ونوعية حسب الطلب، وإعادة تأسيس الاتحاد التعاوني العام الأردني.
ثانياً- وجود بنية تحتية لخدمة فعالةلضمان حق التعاونيات في الاستفادة من نفس مستوى الدعم المقدم من قبل الحكومة للأعمال التجارية والمنظمات الاجتماعية، وبما يتواءم مع توصية منظمة العمل الدولية رقم (193) والمعايير الدولية.
ثالثاً- يقتضي الأمر ضرورة إنشاء تعاونيات مستقلة تعتمد على ذاتها في تقديم خدمات فعالة لأعضائها، فيما يرتبط تحقيق ذلك بتوفير البيئة المواتية، وبناء بنية تحتية فعّالة للخدمات، إضافة إلى الاستفادة من الخبرات والتجارب الدولية في هذا السياق.
*إلى ماذا تتطلع المؤسسة التعاونية من خلال هذه الاستراتيجية؟
وعلى ما تقدم، تطلعت المؤسسة التعاونية، ومن خلال الاستراتيجية، إلى إنشاء معهد التنمية التعاوني يكون مسؤولاً عن رفع مستوى الوعي العام حول التعاونيات، وتوفير التدريب للأعضاء، ويساهم في بناء قدرات قادة التعاونيين وطاقم العمل تعاوني، وإنتاج مادة تثقيفية حول التعاونيات للمدارس الابتدائية والثانوية والجامعات.، وتقديم استشارات الأعمال والخدمات الاستشارية للحركة التعاونية، وكذلك تقييم الاحتياجات ودراسات الجدوى قبل إنشاء تعاونيات أساسية واتحادات تعاونية جديدة، وإعداد الدراسات والمسوحات والبحوث والتقييمات داخل القطاع التعاوني، وحملات الإعلام والترويج المتعلقة بالتعاونيات؛ وتوفير معلومات عن السوق بما في ذلك الصادرات، وخدمات المعلومات الفنية.
كما تتبنى الاستراتيجية إنشاء صندوق التنمية التعاوني ضمن الهيكل التنظيمي للمؤسسة التعاونية؛ بهدف تركيز جميع القروض والمنح التمويلية على التعاونيات، مع تأكيدها على إنشاء قسم إدارة مخاطر تعاوني داخل الصندوق، والعمل على تدريب موظفي صندوق التنمية التعاوني.
وتتطلع كذلك إلى إنشاء مديرية مراقبة الحسابات التعاونية؛ للقيام بجميع عمليات تدقيق الحسابات التعاونية في الأردن.
وتطمح الاستراتيجية لإنشاء منصة لتبادل المعرفة على شبكة الإنترنت؛ للاستفادة من وسائل التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر الفكر والثقافة التعاونية.
فضلاً عن إنشاء تعاونيات الطاقة المتجددة التي يتم تشكيلها غالبا على المستوى المحلي أو المجتمعي لتوليد الطاقة (الكهرباء والوقود والحرارة وما إلى ذلك) بطريقة لامركزية من مصادر متجددة، كالشمس والرياح، وتعاونيات الخدمة المشتركة، والمقاولات العمالية،وأصحاب المصلحة المتعددين وغيرها؛ وذلك لأهمية دور التعاونيات في الاقتصاد غير المنظم.
وستعمل المؤسسة التعاونية وفقاً للاستراتيجية على تعزيز مشاركة الشباب من عمر (18-30 عاماً)،والنساء في التعاونيات من خلال تشجيع هاتين الفئتين على تأسيس تعاونيات خاصة بالشباب وكذلك بالمرأة؛ ليكون لهما دور فاعل في الاقتصاد غير الرسمي الذي تمثل التعاونيات جانباً منه.
*هل لك أن تحدثنا عن الخطة التفيذية للاستراتيجية للعامين(2021 – 2022)؟. يقتضي تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحركة التعاونية الأردنية من المؤسسة التعاونية تنفيذ جملة أنشطة في عامها الأول والثاني،والتي ستشتمل على تحديث التشريعات الناظمة للعمل التعاوني (القانون والأنظمة)، وإعادة النظر في الهيكل التنظيمي للمؤسسة التعاونية لاستحداث معهد التنمية التعاوني، وصندوق التنمية التعاوني ومديرية مراقبة الحسابات التعاونية، وإنشاء قاعدة بيانات إحصائية محوسبة للحركة التعاونية الأردنية، وتحسين الوعي بالتعاونيات، وتقييم المعرفة حول التعاونيات في المجتمع، إضافةً إلى تعزيز مشاركة النساء والشباب والقطاع غير الرسمي في الحركة التعاونية.
هذه الأنشطة التي ستنفذها المؤسسة التعاونية في هذين العامين، ستساهم في الأهداف الإستراتيجية للمؤسسة، المتمثلة في رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للتعاونيين والمجتمعات المحلية، وتعزيز الاعتماد على الذات لتحقيق المنافع الاقتصادية والاجتماعية للتعاونيين المشتركين، والتركيز على الاستخدام الأمثل للموارد، بالإضافة إلى نشر الثقافة التعاونيةفي المجتمع من خلال وسائل الإعلام، ووسائل الاتصال، والتعليم، والتدريب، وتطوير البيئة التنظيمية والتشريعية للقطاع التعاوني وتطبيق أفضل المعايير ذات الصلة، وذكلك بناء قدرات المؤسسة وتعزيز اعتمادها على مواردها لتكون قادرة على أداء واجباتها تجاه القطاع التعاوني على النحو الأمثل.
*ما هي الأثار المترتبة على التطبيق العملي للاستراتيجية؟.
يترتب على التطبيق العملي للخطط والبرامج التنفيذية للاستراتيجية من قبل المؤسسة التعاونية بالتعاون مع شركاء التنمية المحليين والدوليين، والتي تقدر الكلفة المالية المتوقعة لتفيذها على مدى الأعوام (2021- 2025) بـ 2.5 مليون دينار، خلق فرص عمل لفئات المجتمع عدا عن توفير سبل العيش الكريم لها، خاصةً أن التعاونيات وفرت نحو 20 ألف فرصة عمل مباشرة حسب دراسة أعدتها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، فيما يتوقع أن تصبح مع تنفيذ الاستراتيجية 30 ألف فرصة عمل بزيادة مقدارها 10 آلاف فرصة أو أكثر.
ويترتب على ذلك، زيادة مساهمة التعاونيات في الناتج المحلي الإجمالي للدولة مع تأسيس تعاونيات جديدة، إذ تقدر نسبتها الحالية بـ 0.1% فيما يتوقع ارتفاعها إلى 0.6% مع تنفيذ الاستراتيجية حسب مؤشرات أداء القياس.
كما سيُمكنّ التعاونيات من لعب دورٍ مهمٍ في دمج عمال ومشغلي الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الوطني؛ إذا ما علمنا أن الاقتصاد غير الرسمي يشغل (46%) من القوى العاملة في الأردن، ويساهم بنسبة (35%) في الناتج المحلي الإجمالي.
*كلمة أخيرة تود أن تقولها مع انجاز استراتيجية وطنية للحركة التعاونية؟
لقد جاء انجاز الاستراتيجية الوطنية للحركة التعاونية نتاجاً لتكاتفت جهود العاملين في المؤسسة التعاونية من ذوي الخبرة والاختصاص بالتعاون مع بقية الجهات الدولية والمحلية سواء الرسمية أو الأهلية بما فيها الجمعيات والاتحادات التعاونية من كافة محافظات المملكة؛ للخروج بتصوراتٍ وأليات عملٍ مبنية على أسس علمية وعملية تسهم في تمكين قطاع التعاون من استعادة عافيته، ولعب دور تنموي رئيسي في المجتمعات المحلية، خاصةً أن الحاجة للتعاونيات الفاعلة من ضرورات مواجهة التحديات، لا سيما تداعيات جائحة كورونا التي أثقلت الأعباء وأجهدت طاقات الدول والبشر معاً.
ونتوقع من خلال تنفيذ الاستراتيجية تحقيق الأهداف المرجوة منها، وانجازها وفق المؤشرات المحددة وضمن الفترات الزمنية المقرة لكل نشاطٍ، وعلى أن يتم مراجعة ما تحقق من انجازاتٍ وتقييمها بشكلٍ دوري لتتم معالجة الاخفاقات وتصويبها نحو الهدف المنشود.
قصة نشأة:
«التعاونية الأردنية»… مسيرة انجاز ممتدة على سبعة عقود
لم تمضِ ستة أعوامٍ على تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية في الـ 25 من آيار العام 1946، حتى أنشئت دائرة الإنشاء التعاوني في وزارة الإنشاء والتعمير إلى جانب الاتحاد التعاوني المركزي، وتسجيل أول جمعيةٍ تعاونية تحت اسم «جمعية غور المزرعة وحديثة للتوفير والتسليف» في محافظة الكرك في العام 1952.
هذه النشأة للجهات الثلاث، مثلت نواةً لإنطلاق العمل التعاوني في الأردن، وبداية المشوار في انتشار الفكر والثقافة التعاونية بين أبناء المجتمع.
وبينما استمرت دائرة الانشاء التعاوني في عملها المعتاد وتحت ذات المسمى لقرابة 16 عاماً، ولحين صدور قانون رقم (55) لسنة 1968، والذي بموجبه أنشئت المنظمة التعاونية الأردنية بصفتها الأهلية، فقد ضمت المنظمة كلاً من»الاتحاد التعاوني المركزي، واتحاد مراقبة الحسابات والمعهد التعاوني»، إضافة إلى البنك التعاوني الذي أنشئ لتقديم التمويل المالي للمشاريع الهادفة إلى تنمية المجتمعات المحلية، والمساهمة في محاربة مشكلتي الفقر والبطالة.
وعلى ذات الدرب، ما انفكت المنظمة التعاونية الأردنية على مدى ثلاثة عقودٍ من مواصلة تعزيز حضورها في المجتمع الأردنيعلى امتداد محافظات الوطن؛ وذلك من خلال التوسع في تمويل المشاريع التنموية، وإنشاء الجمعيات التعاونية باعتبارها رافداً مهماً للتنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني، فضلاً عن دورها في ترسيخ الفكر والثقافة التعاونية القائمة على الاعتماد على الذات وقيم التعاون ومبادئه، وروح العمل الجماعي والتكافل بين أبناء أعضاء الجمعية التعاونية الذين اجتمعوا على مشروعهم الخاص؛ خدمةً لمصالحهم.
وعلى مدى 69 عاماً منذ بدء العمل التعاوني في الأردن، وتحديداً منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، ولغاية يومنا هذا، ساهمت المنظمة التعاونية، وخلفها القانوني المؤسسة التعاونية الأردنية،بنشر الفكر والثقافة التعاونية في المجتمعات المحلية؛ انطلاقاً من دورها في تعزيز منظومة القيم الاجتماعية، وترسيخ مبدأ العمل الجماعي القائم على الفكر التعاوني، وإقامة مشاريع اقتصادية منتجة تحقق دخلاً مادياً.
كما لم تدخر المؤسسة التي أنشئت بموجب القانون رقم (18) لسنة 1997، جهداً في رفد المجتمع المحلي بخبراتها في مجالات الإشراف والإرشاد والإعداد والتأسيس للجمعيات التعاونية، وتطوير البيئة التنظيمية وتحديث التشريعات والأنظمة الناظمة للعمل التعاوني؛ بهدف الوصول إلى ثقافة تعاونية راسخة في المجتمع، وتعزيز دروها في الإسهام بمسيرة التنمية المستدامة الشاملة، والمساهمة في حل مشكلتي الفقر والبطالة، فضلاً عن دورها التوعوي والتثقيفي في توجيه مختلف فئات المجتمع إلى العمل التعاوني للاعتماد على الذات وبناء قدرات أفراد المجتمع، إقتصادياً.
ومع مواكبة تطورات مسيرة القطاع التعاوني، نجحت المؤسسة التعاونية في توسيع دائرة انتشار التعاونيات في المجتمعات المحلية،حيث يصل عددها اليوم لـ 1516 جمعية تعاونية، فيما يبلغ عدد أعضائها نحو 134.5 ألف عضو، عدا عن مساهمتها في توفيرآلاف فرصالعمل بشكل مباشرٍ وغير مباشرٍ.
التعاون… قطاع تنموي ورافد اقتصادي للمجتمعات
تتلخص أهمية التعاونيات في دورها المباشر والمحرك للعملية الاقتصادية ولو بشكلٍ لا يرتقي إلى المستوى المطلوب، ولإسهامهافي إجمالي الناتج القومي للدول، إضافةً إلى تعزيزها لقيم ومبادئ الفكر التعاوني في المجتمعات؛ الأمر الذي اقتضى اهتماماً عالمياً بقطاع التعاون؛ لقدرته في المساهمة بالتنمية المستدامة الشاملة، واجتراح الحلولالمساعدة في حل مشكلاتٍ اقتصادية واجتماعية تعاني منها مختلف دول العالم.
وقد حقق الأردن قصة نجاحٍ في مجال العمل التعاوني مع التوسع في نشأة الجمعيات والاتحادات التعاونية التي يصل عددأعضائها إلى 135 ألف عضو، إذ لعبت دوراً بالغ الأهمية في المجال التنموي، ومكملاً للدور الحكومي وليس منافساً له، خاصةً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وتحديداً عبر تنفيذ برامج تنموية في مناطق الأطراف، كما كانت من الأهمية بمكان في رفد الاقتصاد الوطني، والمساهمة في الناتج الاجمالي القومي، إضافةً إلى خدمة أعضاء الحركة التعاونية من الناحية المادية كمصدر للدخل، والإنتاجية كبوابة لإقامة المشاريع الخاصة بهم، والثقافية كنافذة لنشر الفكر والثقافة التعاونية في المجتمعات المحلية.
أما أنواع الجمعيات التعاونية المسجلة لدى المؤسسة التعاونية، تتوزع وفقاً لنشاطاتها بين الزراعية التي مجال نشاطها الأعمال الزراعية،والنسائية التي تقتصر العضوية فيها على النساء، لتشجيعهنّعلى الانخراط في العمل التعاونيضمن نشاطاتٍ متعددةٍ، وأخرى متعددة الأغراض يحق لها ممارسة أي نشاط اقتصادي إضافة إلى أنشطتها الاجتماعية حسب نظامها الداخلي، والاستهلاكية التي تعمل في مجال بيع التجزئة للسلع التي تشتريها أو تنتجها، والمهنية وهي الجمعيات التي يؤسسها العاملين بمهنة معينة، والاسكانية التي تقدم لأعضائها خدمة امتلاك المساكن أو الأراضي الصالحة لإقامة السكن بأسعار التكلفة، وتعاونيات المنفعة المتبادلة التي تضم الأعضاء من مجتمع واحد كالجمعيات العائلية، والحرفية التي يعمل أعضائها في حرفة يدوية، والتعاونيات ذات الخدمة الواحدة كالسياحة أو النقل أوالتوفير والتسليف أو غيرها من الخدمات.
ولعب العمل التعاوني دوراً اقتصادياً واجتماعياً هاماً في المجتمعات المحلية في مختلف محافظات المملكة، من خلال الاسهام في تحقيق أهداف تنموية، تمثلت بتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في إنتاج السلع والخدمات وتسويقها، باعتبار الجمعية التعاونية مشروعاً خاصاً لمجموعة من العاملين في قطاع محدد؛ لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
كما شكل وسيلةً لمواجهة الاحتكارات في السوق وتحسين فرص المنافسة عن طرق تجميـــــع الموارد الاقتصادية لمجموعات التعاونيين، إضافةً إلى المساهمة في زيادة الحجوم الاقتصادية للمشاريع التعاونية ومنحها ميزة الاستفادة من اقتصاديات الحجوم الكبيرة في مجالات خفض التكاليف وزيادة الانتاجية وزيادة كفاءة التسويق ورفع القدرة التنافسية.
وأسهمت الجمعيات التعاونية في الأردن بتوفير فرص عملٍ في المناطق الأكثر احتياجاً للتنمية، خاصة الريفية،من خلال مشاريعها الإنتاجية ورفع الجودة؛ والتي تلبي بالضرورة خدمة أعضائها، بالإضافة إلى قدرة التعاونيات على جلب المساعدات الدولية في مجالات مختلفة تخدم مشاريع تنفذها، فضلاً عن استقدام الخبرات الدولية في مجال اختصاصها كونها مؤسسات أهلية لها استقلالها المالي والإداري.
وتنطلق الحركة التعاونية الأردنية في عملها من أهمية وجود قطاع تعاوني فاعل يساهم في رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمجتمع، وكذلك ترسيخ ثقافة العمل التعاوني القائم على الاعتماد على الذات، والعمل الجماعي، وديمقراطية الإدارة والرقابة،وتكاتف الجهود والموارد؛ للمساهمة في التنمية المستدامة الشاملة.
وعلى ما سبق، تعمل المؤسسة التعاونية الأردنية على بناء قدراتها واعتمادها على مواردها للقيام بمهامها وواجباتها تجاه القطاع التعاوني للنهوض به، من خلال رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للتعاونيين والمجتمعات المحلية؛ من خلال التوعية والتثقيف والإرشاد نحو تأسيس التعاونيات من قبل أفراد المجتمع؛ لإقامة مشروعهم الإنتاجي الخاص الذي يخدم مصالحهم ويلبي تطلعاتهم، إلى جانب تعزيز الاعتماد على الذات لتحقيق المنافع الاقتصادية والاجتماعية للتعاونيين، والتركيز على الاستخدام الأمثل للموارد الذاتية، وتحديثالبيئة التشريعية والتنظيمة للقطاع التعاوني، وتطبيق أفضل المعايير ذات العلاقة في هذا المجال.